تاريخ الدولة العلوية النشأة و الإستقرار
مقال هدية لأمير المؤمنين بمناسبة ليلة القدر المباركة.
تمهيد :
إمارة المؤمنين هي صمام أمان يحمينا من التطرف و تقسيم الدولة إلى مذاهب و طوائف، فأمير المؤمنين يوحد مذهب الأمة و يضمن حقوق الأفراد و الأقليات الدينية، فما يحدث من فتن الآن في لبنان، اليمن، العراق،...سببه عدم توحيد مذهب الأمة حبث تصبح مثل سوق عكاظ كل يغني على مذهبه، لذلك فإننا إن كنا ننعم بالأمن و الإستقرار و التعايش بين مختلف الديانات و الروافد بالمملكة، أمازيغ، يهود، عرب، أندلسيون، حسانيون، أفارقة، كلنا نعيش أسرة واحدة في أجواء من الحرية و الديمقراطية و السلآم، فهي حصننا من التطرف و المغالات، كما أنها توحد الفتوى الشرعية تحت إمارة المؤمنين حتى لا تنقسم الأمة، و ما أكثر دعاة الفتنة الذين يختفون خلف عباءة الدين و جلباب التقوى، كما أن إمارة المؤمنين في أبعادها لا يمكن أن تتعارض مع القوانين و المواثيق الدولية التي يصادق عليها المغرب، و تبقى إمارة المؤمنين في المغرب متفتحة و مفتوحة على مقتضيات العصر و متطلبات الحياة المعاصرة، و يبقى الإجتهاد الشرعي دائما يواكب حياتنا في المغرب، كلنا ضد التطرف أو إقصاء أي مكون ديني أو عرقي تحت غطاء ديني كما يفعل المتطرفين، و كلنا يهود، مسلمين، و أيا كنا في المملكة، نبايع أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس المنصور بالله، نحارب التطرف، و نحافظ على أمن الدولة و إستقرار البلاد .
كان المغرب م الفتح الإسلامي سنة 62 ه م -681، إقليما تابعا للخلافة الإسلامية على عهد الدولة (الأسرة) الأموية وأوائل الدولة العباسية، آن تحرر من آلى التبعية واستقل استقلالا تاما بقيام دولة عربية إسلامية مغربية في اطار نظام ملكي إسلامي سني أصيل ، قائم على الكتاب والسنة، والعدل والمساواة، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقا للوثيقة التاريخية (1) التي كانت بمثابة أول دستور مغربي مكتوب، قامت على أساسه الدولة المغربية الناشئة بزعامة مؤسسها الإمام إدريس الأول بن عبد الله الكامل بن الحسنالمثنى بن الحسن السبط بن أمير ع بن أبي لمومنين ى طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه ونبينا وسلم .
الإمام إدريس وقد بويع الأول رئيس الدولة الجديدة بيعة إسلامية شرعية اجماعية سلمية واختيارية يوم الجمعة رابع شهر رمضان عام 172 ه، موافق سادس شهر فبراير سنة 789 م.
وهكذا يعتبر تاريخ (6 فبراير 789) مبدأ السيادة المغربية التي اختار الشعب أن يكون (العرش المغربي) رمزا لها، سيادة عملت جميع الدول (الأسر) آلتي حكمت المغرب على ترسيخها وحمايتها والدفاع عنها كأثمن ما يعتز به الشعب المغربي منذ عهد (الدولة الإدريسية 789 -921 م) إلى الوقت الحاضر، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مرورا بالعصور التاريخية بعد الأدارسة قامت (الدولة المرابطية) ثم (الموحدية) ثم (الدولة المرينية) ثم (الدولة الوطاسية) المؤرخين من يعتبر ومن الدولة الوطاسية امتدادا لدولة بني مرين ، يم (الدولة السعدية الشريفة 1554-1659) وعلى اثر تقلص نفوذ السعديين قامت (الدولة لعلوية الشريفة سنة 1640) لتواصل مسيرة استقرار النظام وسيادة الوطن.الدولة آلتي أفردناها وهى بهذا الموضوع المجمل حيث هي ياقوت خضراء متلألئة في وسط عقد مغربي من الجواهر الكريمة اللامعة ، كان تاريخها المشرق وآن يحتاج آلى موضوعات بل آلى مجلدات .
تلاحظ فترات انتقالية قد طالت أم قصرت بين انحلال دولة وقيام أخرى ، فبماذا يمكن تفسير الفراغ الملحوظ من الزاوية السياسية؟وفي نظرنا، وكما هو حاصل في كثير من مراحل التطورات التاريخية آن فتره التحول من وضعية آلى أخرى تتسم في أغلب الظروف بالمحافظة على السيادة وعلى جوهر النظام ، إلا من شذ في محاولات تمردية يائسة سرعان ما يعود يعدها طوعا آو كرها آلى الجادة والاتجاه الشعبي الملتزم نحوالنظام. النظام الذي اختاره الشعب وأقره بالإجماع يوم 6/2/789 م.كان يسير بخطوات ثابثة وجرئية ورصينة نحو الاستقرار والازدهار ، مصداقا للحديث النبوي الشريف آلذي أخرجه المؤرخ العلامة عبد الواحد المراكشي بسنده الخاص آلى الإمام مسلم بسنده عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم آنه قال “لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة “، (2) ومنطوق الحديث ومفهومه يعتبر من المعجزات النبوية الخالدة.
نسب الأسرة العلوية:
تنتسب الأسرة العلوية الحاكمة المغربية إلى جدها الأعلى أمير المومنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وجدتها العليا فاطمة الزهراء رضي الله عنه، في سلسلة ذهبية من النسب الشريف النبيل، من جلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله، إلى إمام علي وسيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنها. (3)
واللغة الاسرة الأسرة في القرن الثالث عشر وما بعده باسر الشرفاء السجلماسيين نسبة إلى (سجلماسة) التي أسست سنة 757 م.وكانت قاعدة لإقليم تافيلالت الصحراوي قبل آن تتحول قاعدة الإقليم آلى مدينة الريصاني(4) وكان جده الحسن بن القاسم بن محمد وهو المعروف (بالحسن الداخل) قد نزل بها واستقر فيها عند قدومه الميمون آلى المغرب على عهد الدولة المرينية سنة 664 ه، 1265 م ( 5) وبها توفي سنة 676 ه 1277 م.
وقصة قدوم هذا الشريف آلى المغرب اعتمادا على المصادر التاريخية (6) آن وفد الحجاج السجلماسيين كان يرغب في وجود شخصية من آل البيت النبوي بينهم في سجلماسة للتبرك به حيث لم يكن بها أجد من آل البيت ، فاتصل بشريف “ينبع النخل، (7) المولى قاسم بن محمد، وكان من أكبر شرفاء الحجاز في وقته ديانة ووجاهة ، فطلبوا منه آن يرسل معهم أحد أولاده الثمانية آلى بلادهم تكريما وتشريفا لهم ، فاستجاب الشيخ الشريف لطلب الوفد، واختار من أولاده من يليق بتمثيل الأخلاق النبوية والأريحية الهاشمية ، في بلد إسلامي عرف بحب أهله وتمجيدهم لآل البيت رضي الله عنهم، وكان الإبن المختار الذي ر أخلاقه الكريمة وإنسانيته شحته المهذبة لهذه السفارة الشريفة خو مولانا الحسن الداخل آلذي تبلورت طيبوبته في حوار مع أبيه للغاية المقصودة ، إذ قال الأب لابنه وهو يختبر فكره وسلوكه “من فعل معك الخير ما تفعل معه؟ “أجاب الحسن:” أفعل معه الخير “قال الأب:” أجاب الإبن الذكي” أفعل معه الخير! ” قال الشيخ” فيرد ذلك الشر !! ” قال الحسن” له بالخير آلى فأعود آن يغلب خيري على شره !! فابتهج الشيخ قاسم واستنار وجهه، مع الوفد المغربي وأرسله مودعا بالدعاء له بالبركة فيه وفي عقبه فاستجاب الله دعاء الشيخ الشريف وجعل البركة واليمن مقرونتين بابنه الحسن الداخل ، وبعقبه من الشرفاء العلويين. حلوا في وارتحلوا أينما بلاد المغرب آلتي فتحت ذراعيها لاحتضان هذة الأسرة الشريفة بكل إجلال وتكريم وتمجيد .
***
كان الحسن الداخل رجلا صالحا ناسكا زاده العلم جلالة ومهابه ، واجتمعوا الناس أحبه وأكبروه حوله للتبرك به والاستفادة من عمله ، وهو في وقد تزوج الستين من عمره بابنة أبي إبراهيم أحد وجهاء سجلماسة رئيس الوفد آلذي كان له شرف القدوم له .لقد ولدت مع وأنجب واجدا هو محمد آلذي ورث سر آليه في الفضل والبركة الصلاح .
وأنجب محمد بن الحسن الداخل ولدا واحدا كذلك، هو الحسن الذي أنجب ولدين اثنين هما: عبد الرحمان المعروف بأبي البركات، وعلى المعروف بالشريف السجلماسي آلذي برزت شخصيته في ميدان الجهاد وفي مجالات البر والاحسان ، وهو عميد الأسرة العلوية المغربية الشريفة، وعلينا أن نقول بأن الأول يو عرف بعلي الشريف. وعرف بعلي الشريف المراكشي، وهو الجد الأقرب للأسرة الملكية، وضريحه في مراكش، تلقاء ضريح القاضي عياض، بنى عليه أمير المومنين مولاي الرشيد قبة بديعة.
***
كان نجم الأسرة ولئن العلوية المالكة قد تألق ولمع سياسيا واجتماعيا على عهد مولاي علي الشريف الأول المتوفى سنة1443 م. فآن صيتها قد ذاع وملأ الأسماع في أيام المناضل الرائد مولاي الشريف (إسما) به علي الشريف الثالث آلذي تزعم انتفاضة سجلماسة ضد الإرهاب وجبروت الحكام آلذي زعزع الدولة السعدية وعمل على قيام إمارات انفصالية جائرة ، وكانت انتفاضة مولاي الشريف مناسبه لظهور الدولة العلوية كقوة سياسية لها وزنها ومكانتها في المجتمع المغربي.
ابتداء الدولة العلوية:
وقد مهدت انتفاضة المولى الشريف لقيام الدولة العلوية بصفه شرعية سنة 1050 ه- 1640 م. بمبايعة أهل الحل والحقد (8) محمد بن الشريف لولده بن علي الشريف الثالث دفين مراكش . هو المعروف في تاريخ الدولة العلوية بمحمد الأول. وقد جددت له البيعة إثر وفاة والده الشريف سنة 1658 م.
ويكيند آن نقول بآن الفتره آلتي قضاها محمد الأول في الحكم آلى وفاته سنة1644 كانت فترة انتقالية بين عهدين، عهد الحركات الطائفية المتصارعة على النفوذ والحكم، نتيجة ضعف الدولة السعدية وانحلالها، وانتصار النظام المشروعية انبعاث وعهد الممثلة باختيار الأمة في والعلوية للأسرة وآلتي أعادت للبلاد وحدتها وسيادتها.
الكلمة بعد وهكذا اجتمعت وفاة محمد الأول على أخيه الرشيد (1664- 1671) المولى الرشيد وكانت بيعة برهانا على وعي الأمة المغربية والتزامها بالعهد آلذي اخذته على نفسها يوم بايعت الملك المؤسس محمدا الأول . وفي الالتزام بالبيعة المقدسة تتجلى الأصالة المغربية الإسلامية التي يتوارثها الخلف عن السلف.
وقد تم لمولاي الرشيد توحيد المغرب تحت سلطته الشرعية ، وإليه يرجع الفضل في ترسيخ أسس الدولة الجديدة الناشئة مع ما كان عليه من العمل على إحياء السنة ونصر الشريعة ، وكان محبا للعلماء مولعا بمجالستهم، وكان في الجود والسخاء مضرب الأمثال، فظهرت في عهده بوادر نهضة حضارية من أبرز مظاهرها تأسيس مدرسة الشراطين بفاس، وإحداث النزهة الربيعية للطلبة من أجل الترفيه والتنشيط. الناصري في الاستقصا وذكر آنه كان يحضر مجالس الشيخ اليوسي (9) بالقرويين، وعلق على ذلك بقوله: وهذه لعمري منقبة فخيمة ومأثرة جسيمة، أهل الله تلك فرحم الهمم آلتي كآنت تعرف للعلم حقه وتقدر قدرة (10).
عهد الاستقرار والاستمرار:
وقد بلغت دولتنا الشريفة أوج الازدهار والاستقرار في عهد أمير المومنين مولاي إسماعيل بن الشريف (1671-1727) ثالث الإخوة الرواد وهو الذين لمع ذكرهم وتألق نجمهم في تاريخ الدولة العلوية .
. بل إن المؤرخ أبا عبد الله الأفراني المراكشي معاصر مولاي إسماعيل ذكر بآن نفوذ مولاي إسماعيل امتد على السودان الغربي (السينغال ومالي) وأنه بلغ في ذلك ما لم يبلغه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي ولا أحد قبله (11) وحينما احتلت فرنسا السودان الغربي في القرن التاسع I هيف يو هيف a سومر.
وتجدر الإشارة إلى اهتمام إسماعيل بتأليف جيش وطني منظم اعتمد عليه في المحافظة على سيادة الدولة من جهة، وحراسة طرق المملكة ونشر الأمن فيها، وقد اهتم المؤرخون المغاربة والأجانب على السواء بتكوين هذا الجيش ونظامه وما استفادته البلاد من خدمته وإخلاصه، نذكر منهم كارل بروكلمان عند إشارته لهذا الجيش قال: وأقسم أفراده يمين الإخلاص على صحيح البخاري، ومن هنا عرفوا بعبيد البخاري، أو العسكر البخاري. لقد كان هذا ممكنا؟ (12)
وهكذا تمكن العاهل من استعادة الثغور المغربية التي وقعت في قبضة الأجانب أواخر الدولة العدية. فاسترجع المهدية من يد اسبانيا سنة 1681 واسترجع طنجة من يد انجلترا سنة 1684. واسترجع من يد اسبانيا كذلك العرائش عام 1689 وأصيلا سنة 1691. كما حاصر سبتة ومليلية حصارا شديدا مدة سبع وعشرين سنة من 1693 إلى 1720 غير أن التحصينات العسكرية الإسبانية المتطورة حالت دون استراجعهما.لكن الحاصر الإسماعيلي للمدينتين الأسيرتين قد أكد على مغربيتهما تأكيدا قاطعا، وأعطى الإشارة التاريخية بوجوب تحريرها، وما زالت الإشارة الإسماعيلية منقوشة في ذاكرة الشعب المغربي، يتوارثهما الأبناء عن الأباء والأجداد. واتهم طال الوقت فلا بد من عودة الحق إلى نصابه والمياه إلى مجاريها. (11)
أكثر من خمسين سنة قضاها إسماعيل متربعا على عرش المملكة المغربية، رفع فيها المغرب رأسه عاليا بين الدول الشرقية والغربية، وكانت فرسنا من الدول الغربية (14) الكبرى التي اعترفت بدولة مولاي إسماعيل الذي كانت علاقته حسنة جدا لملك فرنسا لويس الرابع عشر (1661-1715 ) الذي يعتبر من أعظم ملوك أوروبا في القرن السابع عشر.
ويجمل بنا أن ننوه بسيدة البلاط الإسماعيلي خناثة بنت بكار بن علي بن عبد الله المغافري المتوفاة سنة 1746 وهي من أسرة صحراية نبيلة من إقليم الساقية الحمراء (15) تزوجها مولاي إسماعيل وأنجب منها ولده مولاي عبد الله الذي سيخلف والده بعد وفاته، وكانت السيدة خناثة مثقفة أدبية أعطت بثقافتها وسمو فكرها مثالا صادقا لبنوغ المرأة المغربية بمشاركتها في الحياة الثقافية والاجتماعية إلى جانب زوجها الذي كان يعتمد رأيها ومشورتها ويخصها بمزيد من الاعتبار والتقدير. وولد زواج العاهل بها سنة 1678 بعد زيارته لإقليم شنكيط المعروف في الوقت الحاضر بموريطانيا. ونستنج مما ذكرنا وأشار إليه الكتاب النابهون (16) أن ختناثة أم الملك عبد الله وجدة ولده محمد الثالث بن عبد الله ومن أتى بعده من ملوك الدولة إنما كانت نموذجا لما كانت عليه المرأة المغربية في القرن السابع عشر وما بعده من ثقافة عربية أصيلة ونشاط اجتماعي ملحوظ .
وقد إتخذ أمير المومنين إسماعيل مدينة مكناس عاصمة لدولته لما امتازت به من نقاوة الهواء وعذوبة الماء وخصوبة التربة كمآ عبر عن ذلك شاعرها أبو عبد الله ابن عبدون(17) المكناسي فقال:
إن تفخر فاس بمآ في طيها
وبأنها في زيها حسناء
يكفيك من مكناسة أرجاؤها
والاطيبان : هواؤها، والماء
وقد نشأ فيها عدة مآثر عمرانية تاريخية، وبنى مسجدها الأعظم، كما بنى أو جدد عدة مساجد أخرى كبناء وتوسيع ضريح الإمام إدريس الأول بمدينة زرهون، وتجديد ضريح الإمام إدريس الثاني بمدينة فاس، وجعل مسجده مسجد خطبة، وسن تلاوة “حديث الإنصات” عمد خروج الإمام يوم الجمعة وجلوسه على المنبر، ومراده بذلك لفت نظر المصلين إلى استماع خطبة الجمعة والاستفادة منها، ومازال العمل بهذه السنة الإسماعيلية في مساجد المغرب إلى الوقت الحاضر. وكان العاهل يحب مجالسة العلماء، وكبار رجال دولته، ويمهد السبيل لصحوة علمية وأدبية في عهده رغما عم مشاغله الكبرى بتوحيد التراب المملكة وإقرار الأمن بطريقة حازمة حتى كان المسافر يسافر من مدينة إلى أخرى في الشمال والجنوب دون أن يتعرض له أحد بأذى في طريقه.
وفي مجال تشجيعه للعلم والعلماء أنه أقام حفلا كبيرا بمناسبة ختم دروس تفسير القرآن الكريم في ربيع سنة 1688 دعا إليه علماء فاس، وجرى الحفل في قصره الخاص حيث نضب كرسي التدريس، ولما انتهى الدرس قام أمير المومنين بنفسه يخدم ضيوفه أثناء الوليمة الفاخرة ويوزع عليهم العطايا. (18) وهذه لعمري ظاهرة من ظاهرات الأريحية الهاشمية التي توسمها الشريف قاسم بن محمد في ولده الحسن الداخل وأبنائه وأحفاده.
لسنا في مقام المدح وعرض المآثر والمفاخر، ولكننا نذكر أمجادا وصلتنا متواثرة موثقة من مصادر مغربية موضوعية ونزيهة- وأهل مكة أعلم بشعابها، كما في المثل – وإن كان بعض الكتاب الأجانب قد انتقدوه انتقادا مغرضا (19) مثل الكاتب الإنجليزي روم لاندو في كتابه “تاريخ المغرب في القرن العشرين “ومع ذلك يخفي وجهه المنافق وراء اعتراف صادق لم يجد بدا من التصريح به فقال:” كان مولاي إسماعيل أبرز سلاطين الأسرة العلوية، وكان معاصرا للويس الرابع عشر ملك فرنسا، إذ ظل على العرش الشريف من سنة 1672 إلى 1717 ومت كلمات بمعنى: أورين قلما وفوه حقه، والكتاب المغاربة أمعنوا في التغ ي بمدحه، فقد كان ولا شط من كبار رجال التاريخ، فقد عمل على رفع مكانة المغرب كثيرا عن طريق توحيد البلاد وإقامة إدارة قوية فعالة وإنشاء جيش ثابت “.
ولكي لا نتهم التحيز بالرجوع إلى المصادر المغربية النزيهة المتعلقة بهذه الجزئية، نذكر بكل إعجاب رأي الكاتب الفرنسي شار أندري جوليان، في مولاي إسماعيل قال: “كان يبدي شجاعة جديرة بالإعجاب، ولم يقتصر على ذلك، بل تجاوزه إلى ما هو أعلى وأعظم، فكان حاد الذكاء حاضر الجواب دقيقه، متأجج العاطفة الدينية إلى حج التبشير عزوفا عن الترف، زاهدا في الموائد الفاخرة، مرهف الشعور بمسؤولية نحو استقلال بلاده وازدهارها الاقتصادي، تلك هي الملامح الكبرى لملك أين منه شخصية شارل الثاني ملك الإسبان (21) أو جاك الثاني ملك الإنجليز اللذين عاصراه “. (22)
وللمقارنة ارتأينا أن نشفع مقولة شيء اندري جوليان بما كبته في الموضوع أبو عبد اله محمد الضعيف الرباطي المتوفى سنة 1818 في تاريخه فقال في معرض كلامه عن مولا إسماعيل ما نصه “كان رحمه الله مطيعا لأوامر الله، خاشعا خائفا من مولاه، رقيقا بالمساكين والأرامل والأيتام ، مسلطا على الظلمة والطغاة والعظام … وكانت طاعته قد عمت جميع المغرب إلى تلمسان، وجميع بلاد الصحراء وتوات، وفيكيك وأطراف السودان، وعلى تيغاز وسوس الأقصى، وخضع له جميع من كان عصى … ولقد كان وصاما قواما دائم الذكر شديد الغيرة في محارم الله، وكان مهابا شجاعا ظاهرا للفداء منصورا مظفرا مؤيدا، يهابه ملوك الأرض، ويرون مهادنته عليهم من أكد الفرض، ويهاديه ملوك الأقاليم، ويتحفه بالهدايا ملوك الأعاجم “. (23)
كما لا يفوتنا اقتطاف نص موضوعي في إطار سلوك عاهلنا المقدس للكاتب العربي المعاصر أحمد سعه قال: “يجمع المؤرخون الأجانب على أن مولاي إسماعيل كان يتمتع بحيوية ونشاط فائقين، وأنه كان شجاعات لا يعرف الخوف منفذا إلى فؤاده، وفطنا ذكيا لا تنطلي عليه الحيلة ولا الخديعة ، ومدركا لأهمية توطيد أركان العرش لصالح المغرب، ومحررا للتراب الوطني المغربي من الاحتلال الأجنبي، ولولا بعض المتاعب الداخلية لكان قد وفق لتحرير سبتة ومليلية … “ثم زاد الكاتب العربي قائلا:” نقطة إضافية انفرد بها مولاي إسماعيل في علاقاته مع الدولة الأوروبية، نني بها اهتمامه بالناحية العقائ دية، إذ وجه رسالتين مسهبتين إلى كل من لويس الرابع عشر ملك فرنسا، وجيمس الثاني (جاك الثاني) ملك انجلترا دعاهما فيها لاعتناق الإسلام … لا يظن أحد أنه في دعوته هذه كان ينطلق من تعصب مقيت ضد النصرانية كدين، وإنما كان يعبر ” نإيمانه العميق بأن الإسلام أفضل شريعة سماوية تؤمن سعادة الإنسانية … ”
***
لم يعهد مولاي إسماعيل بالخلافة لأحد من أبنائه، ترك الناس أحرارا بل بعده وفاته ليختاروا ما شاءوا من أنظمة ومن شاءوا م رجاله . فاختاروا بمحض إرادتهم نظام مولاي إسماعيل وأبناءه ثم أحفاده. وهكذا وجد الأمراء الميدان خاليا، لترضيه طموحهم في الحكم. ووقع النزاع بين الإخوة على العرش، وغذى الجيش الإسماعيلي هذة النزعات الخطير بتدخلهم في شؤون السياسة والحكم، كمآ آن الولاة الأتراك العثمانيين بالجزائر كانوا لا يتورعون عن مساندة الانقلابات آلتي ادت آلى مواجهات عنيفة للسيطرة على زمام الدولة ، ومع ذلك لم تظهر في الميدان حركة مناهضة للعرش العلوي. ذي غود. فكانت أزمة حكم لا أزمة نظام.
جلس على العرش وهكذا العلوي سبعة من أبناء إسماعيل هم :
1) أحمد المعروف بالذهبي،
2) عبد الملك،
3) عبد الله،
4) علي الملقب بالأعرج.
5) محمد المعروف بابن عربية، لأن أمه كانت عربية من الشاوية، وعرف في تاريخ الدولة محمد الثاني.
6) المستضيء.
7) زين العابدين.
لكن المولى عبد الله بن إسماعيل (1728-1757) تمكن من الاحتفاظ بالعرش، إذ جددت بيعته مرارا في الأقاليم، الاقاليم الصحراوية من وكانت أشد الاقاليم المغربية ولاءا له وتمسكا به ،
للموضوع بقية.