آخر الأخبار

الفرق بين العامل والوالي في المغرب


 الفرق بين العامل والوالي في المغرب


الفرق بين العامل والوالي في المغرب


 المقدمة

إن الإدارة في العصر الحالي لم تعد تعتمد على الهيئات المركزية فحسب، بل تجاوزت ذلك لتجعل من لاتمركز القرار ولامركزية الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية أساسا لتحقيق التنمية المندمجة والمتوازنة تشمل كافة المجالات والقطاعات الحيوية، وهي الوظيفة المرتقبة من مؤسسة العامل مركز الجهة “الوالي” في إطار الجهوية المتقدمة التي ستعمل على تدشين جيل جديد من الإصلاحات المؤسساتية، وإرادة تغييرية مستقبلية لنمط تدبير مجالنا الترابي، وفق قواعد القرب والحكامة الجيدة والتقطيع الترابي المنطلق من محددات وغايات ترمي إلى محاربة الفقر والتهميش والهشاشة والإقصاء، إنها عودة نحو المحلي في وقت استنفدت فيه كل السياسات التنموية المنطلقة من المركز وما يمكن أن تحققه، في تجسيد تقلص دور الدولة الحائزة لوحدها على ميكانيزمات السلطة والتي تسمح بتشكيل فضاءات مجالية منافسة خارج وصاية المركز.[1]


فضرورة التنمية المندمجة، وأهمية مفاهيم الديمقراطية والحكامة والحرية في أسلوب الإدارة المعاصرة المحفزة لمشاركة السكان في القرار التنموي، أدت إلى التفكير في إعادة النظر في مكنزمات الإدارة الترابية وعلى رأسها مؤسسة العامل “الوالي” والأسس التي تقوم عليها وإعادة تأطيرها لتساير المعطيات الداخلية والخارجية، في سبيل تقدم ورفاهية التراب الوطني.[2]


من هذا المنطلق فإن دور العامل الوالي في إطار الجهوية المتقدمة يهدف معا إلى إعفاء الدولة من اختصاصات تكون الجماعات الترابية بمكوناتها المختلفة في موقع أفضل للقيام بها[3]، إلى جانب الرغبة في وضع لهيمنة الإدارة المركزية.


وعليه، يطرح الموضوع تساؤلين رئيسين :


ما دور مؤسسة العامل

{ المطلب الأول} في العملية الإدارية ببلادنا؟ وإلى أي حد تشكل الآليات القانونية للاتمركز الإداري} المطلب الثاني} أداة لتوزيع الصلاحيات بين المركز والمحيط ؟


المطلب الأول: العامل كفاعل أساسي في إطار الجهوية المتقدمة

لمعالجة هذا المطلب لبد من التطرق إلى مؤسسة العامل(الفقرة الأول) وتطوراتها، على أساس مناقشة في (الفقرة الثانية) دور مؤسسة العامل في تطوير مضمون اللاتمركز الإداري.


نبذة موجزة عن تطور مؤسسة العامل

يعد الوالي” العامل”[4] باعتباره أهم رجال السلطة المحلية[5] ، والسلطة الإدارية العليا في نطاق الحدود الإقليمية أو الجهوية، التي يمارس فيها صلاحياته.


حيث يمارس مجموعة واسعة من الصلاحيات[6] الإدارية والسياسية والاقتصادية، ويعتبر بمثابة السلطة الرئاسية على مختلف موظفي الدولة على الصعيد الإقليمي أو الجهوي، وبصفته” مندوب الحكومة”، فإنه يمثل الدولة على الصعيد المحلي بموجب النصوص الدستورية (الفصل 145 من دستور فاتح يوليةز2011)، التي منحته من جهة صلاحية تنسيق وتدبير نشاطات مختلف الإدارات ومندوبيات الوزارات بالإقليم أو الجهة في إطار سياسة اللاتمركز الإداري، ومن جهة أخرى صلاحية مساعدة رؤساء المجالس الجهوية في تنفيذ مقررات المجلس التداولي.لذلك فوظيفة العامل” الوالي” لا تنحصر في الممارسة الإدارية بل تتعداها إلى وظيفة سياسية تنبع من كونه ممثل الحكومة بالإقليم أو الجهة، حيث يشكل عنصر اتصال هام بين سكان الإقليم أو الجهة والسلطة المركزية في العاصمة.


إن استحالة قيام السلطة المركزية بمهامها بكل أرجاء المملكة، وعملا بالمقولة الشهيرة”يمكن الحكم من بعيد، لكن الإدارة لا تتحقق إلا عن قرب”[7] ، فإن مؤسسة العامل قد عرفت بالموازاة مع تطورات التنظيم السياسي والإداري مراحل أبرزت أهمية هذه المؤسسة كعنصر حاسم في التوازن السياسي Regulateur/Modurateur، في إطار نسق سياسي ينفتح مرحلة بعد أخرى على تطبيقات الديمقراطية المحلية والحريات العامة المعبر عنها بالتعددية السياسية والليبرالية الاقتصادية والاجتماعية.


لذلك، نرى على كون مؤسسة العامل “الوالي” في المرحلة القادمة، تعد محور الرهان التنموي، وذلك لما يتوفر لديها من مؤهلات وإمكانيات قانونية ومادية وبشرية في إطار منظور جديد لسياسة اللاتمركز الإداري لدفع بمسلسل اللامركزية (الجهوية) ببلادنا، لقيام نظام لامركزي فعال.


وتعود أهمية المؤسسة العامل[8] إلى بداية مرحلة التشييد والبناء، بحصول المملكة على الاستقلال السياسي، وتخلي السلطة العامة على نظام النواحي المعمول به في عهد الحماية، حيث تم تقسيم الخريطة الترابية الإدارية إلى الأقاليم، شكلت نقط استقبال للقرارات المركزية، من أجل إحداث تنظيم جديد يستجيب لضرورات هذه المرحلة- بعد الاستقلال – بوضع قواعد الدولة الموحدة والتحكم في المجال الترابي من جهة وتقريب الإدارة من المواطنين وتوسيع نطاق وإحداث المؤسسات الإدارية من جهة أخرى.ومن تم بات توفير سلطة إدارية عليا بالإقليم أو العمالة أمرا ضروريا، لتمثيل السلطة المركزية وتقوم مقامها في إدارية شؤون العامة بمجموع التراب المملكة.إذ شكلت وظيفة المحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاث والسهر على تنفيذ القوانين التنظيمية المركزية أولى وظائف العمال على الصعيد المحلي.[9]


وعلى المستوى المرجعي نجذ التصور الملكي لأفاق الإدارة الترابية “مؤسسة العامل “منطلقه في الخطاب الملكي السامي المؤرخ في 24أكتوير1984، والذي أعلن فيه جلالته عن تصوره المستقبلي للمرحلة القادمة والانفتاح أكثر فأكثر على المجتمع المحلي، بإتباع الجهوية كأسلوب وتنظيم يوسع مجال اللامركزية وعن دور العمال في هذا الإطار.حيث ركز جلالته على الدور الوظيفي لهذه المؤسسة، كصلة وصل بين الجماعات الترابية والدولة، بقوله”..الدستور ينص على أن الجماعات المحلية تتكون من الأطر التي تكون الديمقراطية المغربية ولكن ما هي الشرايين التي توصل الدم إلى الأعضاء والتي توصل القرار من القلب وهي العاصمة إلى الأعضاء وهي الجهات.إنهم العمال فأظن أن دور العمال هنا سيكون حاسما وأقول تاريخيا لايقل أهمية عن دوركم أنتم واستعدادكم لدخول القرن المقبل…”[10]


دور مؤسسة العامل في تطوير مضمون اللاتمركز الإداري

وبناءا على ماسبق، فإن مؤسسة العامل لعبت دورا أساسيا في تطوير مضمون سياسة اللاتمركز الإداري، وكانت تلك بدية حضور أسلوب اللاتمركز الإداري في التنظيم الجهوي.حيث قامت المراجعة الدستورية في 4 شتنبر 1992 لتجسد هذه التصورات قانونيا، بارتقاء الجهة إلى مصاف الجماعات الترابية، والتي سوف يتم التأكيد عليها من خلال المراجعة الدستورية لسنة 1996، إلى أن جاء الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011 ليبؤ الجهة مكانة الصدارة لباقي الجماعات الترابية الأخرى.


وفي إطار مواكبة مؤسسة العامل لهذه التطورات، فقد قام المشرع العادي بتعديل وتغيير مقتضيات ظهير 15فبراير 1977بموجب ظهير 6أكتوبر 1993، في بداية الأمر، تم مرسوم 20 أكتوبر 1993 المتعلق بسياسة للاتمركز الإداري، الذي يعتبر المعطى القانوني الأول في هذا الباب والذي تم تغييره بمرسوم 2ديسمبر 2005ثم ظهير 31 يونيو 2008، الشيء الذي جعل هذه المرحلة، مرحلة حاسمة في سياق تطوير وظيفة العامل.غير أنها في نظرنا لم ترقى إلى مستوى تجميع هذه النصوص القانونية على شكل مدونة أو ميثاق كما دعا إلى ذلك صاحب الجلالة، بغية توسيع نطاق تدخل العامل”الوالي” لتحقيق التنسيق من جهة بين مختلف المصالح اللاممركزة التابعة لنطاق عملهم، ومن جهة أخرى بين أسلوبي اللامركزية واللاتمركز الإداري في سبيل تحفيز مسلسل التنمية الجهوية.


ودفعا لمسار اللامركزية الجهوية لما يشكله المجال الترابي فضاءا محفزا لتجميع المصالح اللاممركزة لمختلف الوزارات، فإن إحداث هذه المصالح على هذا المستوى الترابي، بدون الوسائل القانونية للتنسيق، يعرقل عمل الدولة، ولهذا لبد من وجود سلطة يمكنها أن تقوم بالتنسيق بين هذه المصالح وهذا الدور لا يمكن القيام به إلا من طرف العامل”الوالي”بحكم توفره على مجموعة من الإمكانيات والآليات للعمل من أجل ضمان التنسيق وإنجاح وتطوير سياسة اللاتمركز الإداري سواء في علاقته مع الإدارات المركزية أو في إطار تنظيم وتسيير الإدارات اللاممركزة.[11]


لئن كان الدستور الجديد قد حافظ بشكل عام للولاة والعمال على موقع متميز على المستوى أدوارهم ومهامهم، فإنه قد جاء بالعديد من المقتضيات والمتغيرات الهامة التي وجب أخذها بعين الاعتبار، والمثمتلة في الإنتقال من تمثيل الدولة إلى تمثيل السلطة المركزية حيث نصت المادة 145 من الدستور الجديد على المهام التالية للولاة والعمال:


تمثيل السلطة المركزية في الجماعات الترابية 

العمل، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها ؛

ممارسة المراقبة الإدارية؛

مساعدة الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية؛

القيام، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، والسهر على حسن سيرها.

إذن، يستفاد من هذه المفصل أن وضعية ودور الولاة والعمال قد شهدت تغيرا عميقا يأخذ بعين الاعتبار تعزيز أدوار الجماعات الترابية وإعادة تحديد أدوار مختلف المؤسسات في سياق إعادة بناء نظام الحكامة بالبلد.


ولعل أهم تغيير يتمثل في الوضع الاعتباري العام للولاة والعمال، حيث أصبحوا يمثلون السلطة المركزة في الجماعات الترابية عوض الدولة كما كان منصوصا عليه في الدستور السابق. وهو تغيير عميق الدلالة ويأتي منسجما مع تعزيز موقع الجماعات الترابية، خاصة الجهات. بحيث أن تمثيلية الدولة أصبحت مركزية، فالملك هو المثل الأسمى للدولة (الفصل 42) وباقي المؤسسات تقوم بمسؤولياتها وفق اختصاصاتها الدستورية والقانونية.


كما نجذ المتغير الثاني المثمتل في العمل تحت سلطة الحكومة، فالدستور الجديد كان واضحا في وضع الولاة والعمال تحت سلطة الحكومة، سواء بالنظر إلى ما نص عليه من أن تعيينهم يكون باقتراح من رئيس الحكومة بعد مبادرة وزير الداخلية.أو بما نص عليه من أنهم مكلفون بالعمل، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها”، حيث أكد على أنهم يعملون باسم الحكومة، مع العلم بأن الدستور السابق قد نص على أنهم مكلفون “بالسهر على تنفيذ القوانين” دون الإشارة إلى أن ذلك يتم باسم الحكومة.


أما المتغير الثالت فيتمثل في الإنتقال من الوصاية على الجماعات الترابية إلى دور المساعدة، وحصر تمثيلية الولاة والعمال في السلطة المركزية بعلاقته مع المجالس المنتخبة، إلى مستوى العلاقة بين سلط متوازية لا وجود لعلاقة تراتبية أو إشراف بينها.


وما يؤكد هذا الأمر هو أن الدستور قد نص بوضوح على أن “التنظيم الجهوي والترابي يرتكز على مبادئ التدبير الحر” بما يعنيه من أن للجماعات الترابية كامل الصلاحية والحرية في تحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها، في احترام تام بطبيعة الحال للمقتضيات القانونية والتنظيمية وبمراعاة للإمكانيات التمويلية المتاحة.


والتدبير الحر معناه إلغاء مفهوم الوصاية على عمل الجماعات الترابية وكل أشكال الرقابة المتعلقة باختياراتها.


بحيث أن أدوار الإدارة وجب أن تقتصر على مراقبة مدى التقيد بالاحترام العام للقوانين، انسجاما مع ما نص عليه الدستور من أن من مسؤولية الولاة والعمال هي العمل باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها.مع التأكيد على أنه لا يمكن بحال تحويل هذه الرقابة إلى أي نوع من الوصاية، إذ أن الدستور عندما أكد على مبدأ التدبير الحر فهو لم يقيده بأي شكل من الأشكال.


وبالتالي حتى في حالة ملاحظة ما يمكن اعتباره إخلالا باحترام المقتضيات القانونية في تدبير الجماعات الترابية، فوجب أن تشكل موضوع طعن لدى المحاكم الإدارية احتراما لمبدأ التدبير الحر، بل أكثر من ذلك فقد نص الدستور بشكل واضح في نفس المادة 145 على أن دور الولاة والعمال في علاقتهم بالجماعات الترابية هو دور “المساعدة على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.”


لذلك، ومن أجل تدعيم دور العامل “الوالي”الجهة بحكم تمثليه لمجموع العمالات والأقاليم داخل التراب الجهوي الواحد[12] في مجال اللاتمركز الإداري، ينبغي ونحن نتحدث عن سياسة جهوية متقدمة، خلق لجنة تقنية على المستوى الجهوي على غرار اللجنة التقنية للعمالة أو الإقليم، والمكونة من الأعضاء التالية:[13]


والي الجهة.

العمال المتواجدين داخل النطاق الترابي للجهة.

رؤساء ومسئولي المصالح اللاممركزة.

مديري المؤسسات العمومية ذات الاختصاص المحلي.

الخازن الجهوي.

الكاتب العام للعمالة أو الإقليم مركز الجهة وباقي الكتاب العامين للعمالات والأقاليم التابعة للجهة.

كل شخص يرى والي الجهة أنه من ذي الاختصاص.

المطلب الثاني: آليات القانونية للاتمركز الإداري

أدى تطور الممارسة الإدارية إلى ظهور معايير جديدة ومكانيزمات غيرت من مضمون أليات التنظيم الإداري وأظهرت إشكاليات قانونية لم تعرفها النظرية التقليدية، ساهمت في بناء مفهوم جديد لعدم التركيز الإداري أو مايصطلح عليه باللاتمركز الإداري.


فتحديث مفهوم الدولة، يجرنا إلى الحديث عن تقنيات اللاتمركز الإداري التي يمكن إجمالها في تقنيتين:التفويضLa Délégation {الفقرة الاولى} ثم منح إسناد السلطةAttribution de pouvoir { الفقرة الثانية}.


الفقرة الأولى: حالة تفويض الاختصاص

إن تحليل مكنزمات التسلسل الإداري، تسمح بتوضيح الإشكال الذي يطرحه تعرض السلطة الرئاسية للسلطة العليا مع نقل الاختصاص لفائدة السلطة المرؤوسة.فتفويض السلطة هو” تصرف انفرادي بموجبه تقوم سلطة معينة بنقل جزء من اختصاصاتها لصالح جهاز تابع لها بدون إلغاء السند القانوني الذي يمنحها هذا الاختصاص.


ويبقى صاحب الاختصاص الأصلي بمثابة السلطة الرئاسية، حيث يفوض لصالح موظف تابع له من اختصاصه، ويصبح على إثر ذلك جهازا غير ممركز متمتع بسلطة تقريرية تتحمل الإدارة تبعاتها، فاللاتمركز الإداري في هذه الحالة لايطرح أي إشكال في علاقة السلطة الرئاسية صاحبة الاختصاص الأصلي والجهاز الغير ممركز المفوض له، فالسلطات العليا لها حق توجيه الأوامر، كما أن لهذه التقنية شروط يتطلب استيفاءها، ومنها ما جاء في الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد720بتاريخ 25/05/2004 أن “التفويض لا يكون مشروعا إلا إذا أجازه المشرع، وصدر قرارصريح به من صاحب الاختصاص الأصيل، وأن يتم في الحدود التي يضعها النص القانوني، سواء من حيث موضوع التفويض أو الجهة المفوض إليها أو مدته أو شروط ممارسته.كما أنه لا ينبغي أن يكون كليا شاملا لكافة اختصاصات الأصيل، وينصرف فقط إلى الاختصاصات الأصلية التي يستمدها المفوض من النصوص القانونية المباشرة، دون تلك التي يستمدها بناء على قواعد التفويض.”


فأسلوب اللاتمركز الإداري بواسطة التفويض يطرح إشكالا واحدا يتمثل في تحديد حقوق الخواص –الأشخاص- التي حصلوا عليها أثناء ممارسة المفوض إليه تفويضه في مواجهة الصلاحيات التي تتمتع بها السلطة الرئاسية:كالإلغاء والتعديل.


وبما أن الاختصاص الأصلي يعود للسلطة الرئاسية، فهذه الأخيرة لا تعترض الجهاز الغير ممركز في حد ذاته، بل تمارس اختصاصها الذي لا يسقط بفعل التفويض، وهنا تمكن خطورة هذا الأسلوب، حيث تتقيد صلاحيات اتخاذ المبادرة خصوصا بالنسبة للقرار التنموي.


وأمام تعدد المهام وتوفر مستوى وسيط”الجهوية”مناسب، فالحكومة – الوزراء – مطالبون أكثر مما مضى بالاهتمام بتقنية التفويض، ليس على أنها اختيارا شخصيا، بل يجب أن ينظر إليها كعنصر أساسي في نشاط المصالح اللاممركزة، وعدم تركيز سلطة القرار في العاصمة حيث أن هناك قضايا تتطلب السرعة في التقرير، والإنجاز، والتفويض يفرض، سواء في مجال الاختصاص أو التوقيع، أن تتولد لدى الحكومة من جهة وممثلي الدولة في الجهة، من جهة أخرى وعي بأنهم يشكلون وحدة السلطة العامة-الدولة- فدستوريا، العامل “والي الجهة”يناط به مهمة تمثيل الدولة ووبتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون حسن سيرها (الفصل 145 الفقرة الأولى والرابعة من دستور فاتح يوليوز2011) فالدولة في هذا السياق تشكل كتلة منسجمة، حيث يصبحون العمال أصحاب الاختصاص في النظر في الأمور المتعلقة بهم، ذات المصلحة المحلية (العامل) والجهوية (والي الجهة) بناءا على المبادئ التالية :[14]


مبدأ الترابي « Principe de territorialité » من خلال تجديد العمليات التي يكون كل مستوى ترابي مدعوا ليستخدم كإطار لها (الجهة، الإقليم، الجماعة).

مبدأ الفرعية Principe de Subsidiarité » « لذي يعني أن السلطات غير متمركزة تتوفر على اختصاص ذي الحق العام وأن الصعيد المركزي لن يمارس إلا صلاحيات الاختصاص.

مبدأ العمل المشترك بين الوزارات «Principe de L’interminisérailité » وذلك بفضل دور العامل مركز الجهة “الوالي” الذي يمثل وحدة الدولة على المستوى الترابي الجهوي ويعمل باسم رئيس الحكومة وكل وزير على حدة.

الفقرة الثانية: حالة تفويض السلطة [15]

يمكن تعريف منح السلطة بأنه ” تصرف بموجبه تقوم السلطة الرئاسية (المشرع الأساسي أو العادي واستثناءا الملك) بمنح وتمتيع جهاز معين بممارسة اختصاص محددا لا يعنيه أصلا”


ويقوم اللاتمركز الإداري في هذه الحالة على أساس تشريعي في غالب الأحوال، حيث يقوم المشرع بمنح الاختصاص مباشرة لفائدة موظف تابع للسلك الوزاري، غير أن الإشكالية التي تثيرها هذه التقنية تتمثل في مدى تعايش السلطة الممنوحة مع السلطة الرئاسية التي تتمتع بها الأجهزة الأخرى؟


لذلك فهي تختلف عن الإشكال الذي يثيره التفويض، لأن الاختصاص يستمد مباشرة من المشرع الذي هو فوق السلطات الإدارية.


فالاختصاص الممنوح بموجب القانون، يعرقل نوعا ما تدرج السلطة وتسلسلها، رغم أن منح السلطة في حقيقة الأمر هو توزيع جديد للاختصاصات وليس عرقلة أمام التنظيم الإداري بشكل عام.[16]


فتطور التصور التنظيمي والنفعي للإدارة الترابية، آدى إلى تخلي الدولة باعتبارها سلطة مركزية عن المركزية المفرطة وتبني أسلوبا جديدا يسمح بتوفير أجهزة إدارية بديلة، تسهر على القيام بالأنشطة التي يتطلبها تنفيذ السياسة الحكومية وإدارتها المتخصصة، بحيث تمثل الأجهزة البديلة الإدارة المركزية وتقوم مقامها[17] في التقرير والتنفيذ.وبذلك تشكل سياسة اللاتمركز الإداري أداة فعالة لرصد متطلبات التنمية ومساعدة الأجهزة المنتخبة على تحقيق السياسة التنموية بعين المكان.فالتوزيع العمودي للسلطة التقريرية يشكل في حد داته نواة لقيام نظام اللاتمركز الإداري وتوطيدا لتنظيم اللامركزية الجهوية والديمقراطية المحلية.


أن تقريب الإدارة من المواطنين، يسمح لهؤلاء بالدخول في علاقات مباشرة وشخصية مع أصحاب القرار على المستوى المحلي لمناقشة مشاكلهم وشؤونهم الاجتماعية اليومية من جهة واستقبال ثم الإطلاع على قرارات السلطة المركزية من جهة اخرى.[18]


خاتمة:

إن معالجة موضوع دور مؤسسة العامل في أفق الجهوية المتقدمة بالمغرب، يستدعي أولا الوقوف على مدى نجاعة مؤسسات الإدارة الترابية من الناحية القانونية والإدارية، تم تحديد الوظائف التي تقوم بها داخل النظام السياسي من منظور المنهج المقارن.


وعلى أساس هذا المنطق، يمكن القول بأن إقرار أي نموذج مغربي للجهوية المتقدمة يتوقف على مدى سلامة التنظيم الإداري داخل بنية الدولة التي يمارس فيها، مع ضرورة اعتماد لا تمركز حقيقي وفعال ودلك بقيامه على أسس وقواعد واضحة.


الإحالات:

[1] – مقتطف من الكلمة التي ألقاها السيد محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين بمناسبة انعقاد اللقاء الدارسي حول الجهوية الموسعة ، بتاريخ 17 ماي 2012.ص3و4


[2] – عبد الواحد مبعوث ، التنمية الجهوية بين عدم التركيز الإداري واللامركزية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس- كلية الحقوق- أكدال- الرباط. السنة الجامعية 1999/2000، ص 394 و395 .


[3] – وفي هذا الاتجاه أكد الخطاب الملكي بمدينة الدار البيضاء يوم 12 أكتوبر 1999 :” عن اللامركزية لا يمكن أن تحقق الأهداف المتوخاة منها إلا إذا واكبها عدم التركيز الذي يقضي بنقل اختصاصات الإدارة المركزية إلى مندوبيها المحليين”


[4] – من الناحية القانونية ليس هناك فرق بين الوالي والعامل، لإنهما يخضعان لنفس المادة القانونية المنظمة ليكيف الولوج والاختصاصات الممنوحة ثم طريقة التعيين، غبر أن الممارسة العملية والترتيب المستويات الإدارية بحكم التطورات المجتمعية وبإحلال نظام الولاية بمقتضى مرسوم يوليوز1981، تم تعيين عامل بدرجة ممتاز” الوالي”على رأس الولاية في إطار نوع من الترابية الوظيفية وليس القانونية.لذلك فاختصاصاته غير محددة أو مقننة، بل يستمدها من التوجيهات الملكية السامية ومن وزارة الداخلية.


[5] – يأتي هذا التصنيف من حيث المرجعية القانونية أولا بدسترة مؤسسة العامل، بموجب الفصل145من دستور المملكة لفاتح يوليوز2011، وبأهمية الوظيفة السياسية والإدارية الملقاة عليه ثانيا.ويقصد برجال السلطة، وهي العبارة من اختراع خالص لوزير الداخلية السابق الراحل إدريس البصري، والتي كانت موضوع رسالته لنيل دبلوم الدراسات العليا التي ناقشها في 20يوليوز1972، يبدو أنه استقاها من جهة من الفصل السادس من الظهير رقم046-56-1الصادر في 20مارس 1956الذي يحدد القانون الخاص بالعمال حيث ينص على أن هيئة العمال الذين هم موظفون ذوو سلطة والذين هم ينتمون إلى الأسلاك العامة للدولة…”.و من جهة أخرى استقاها من الفصل الثاني من الظهير رقم047-56-1والصادر أيضا في 20مارس1956 الذي يحدد القانون الخاص بالقواد والذي تضمن العبارة نفسها.من هنا دخلت هذه العبارة غير الصحيحة إلى القانون العام المغربي، والتي لا نجد لها مثيلا في الأنظمة المقارنة.وينبغي تغييرها لأن مفهوم السلطة في النظام العام الإداري لأي دولة، ليس لصيقا ببعض موظفي وزارة الداخلية، وإنما هو مفهوم يرتبط بجميع السلطات الإدارية والتي من ضمنها الجماعات الترابية بجميع مستوياتها، وبالمؤسسات العمومية، بل بكل من يسهر على تسيير مرفق عمومي.


[6] – فالحديث عن اللاتمركز واللامركزية يذهبنا إلى البحث عن الفرق بينهما، ومن بين الفروق المهمة مصطلح تفويض الصلاحيات الذي ينطبق على أسلوب اللاتمركز عنه في أسلوب اللامركزية التي نتحدث فيها عن مصطلح نقل الاختصاصات.


[7] – قولة لويس نابليون وردت في المرسوم الرئاسي الصادر في 30مارس 1852و المؤسس للمرحلة الأولى اللامركزية الإدارية بفرنسا.


[8] – بالنسبة لمصطلح “العامل”نشير هنا إلى وجود اختلاف اصطلاحي بين مضمون الترجمة الفرنسية المستعملة في النصوص الفرنسية، حيث العامل هو.والذي يعني بالعربية الحاكم مع العلم أن التشريع الفرنسي أطلق على نفس المؤسسة ..


ويرى ميشال روسي، إدا كانت تسمياتهم ولوظائفهم مايقابلها لدى ممثلي المخزن في المغرب قديما وحتى لدى الحماية، فإن وضعيتهم القانونية الحالية مغايرة.


[9] – عبد الواحد مبعوث، التنمية الجهوية بين عدم التركيز واللامركزية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق-أكدال-الرباط، 2000، ص83


[10] – مقتطف من نص الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه الملك الراحل الحسن الثاني، حين ترأسه المجلس الاستشاري للمنطقة الاقتصادية للوسط الشمالي في 24 أكتوبر 1984.


[11] – SEMIRIS (M’Fadel),Centralisation et décentralisation territoriale au Maroc,thèse doctora,Publication Université Sidi Mohamed Ben Abdellah,fés,série n=1,2001,P387.


[12] – عبد الكريم بخنوش، عدم التركيز الإداري بين العمالة أو الإقليم والجهة، منشورات، م، م، إ، م، ت، سلسلة مواضيع الساعة، عدد 52، 2006، ص42


[13] – المكي السراجي، اللاتركيز الإداري في إطار السياسة الجهوية الموسعة، منشورات، م، م، إ، م، ت، عدد مزدوج 97-98، 2011، ص131


[14] – وثائق المناظرة السابعة للجماعات المحلية بالدارالبيضاء12-13أكتوبر1998، حول موضوع اللامركزية وعدم التركيز، ص13من خلال ما حققته التجربة الفرنسية.


[15] – في هذه الحالة يتكيف اصطلاح الاختصاص مع مفهوم السلطة، لأن الاختصاص من هذا النوع يمنح صاحبه سلطة التصرف باستقلالية تامة، لأنه اختصاص أصلي وليس مفوض.


[16] – بالنظر إلى الإجتهاد القضائي الفرنسي، وعلى الخصوص ما صدر عن مجلس الدولة الفرنسي يلاحظ أن هذا الأخير جعل من عملية توزيع الاختصاص(بواسطة التفويضأو بواسطة التشريع)حافزا أساسيا يحمل السلطة التنفيذية على إتباع أسلوب عدم التركيز شريطة عدم المساس بالسير العادي لهرمية السلطة.


[17] – ميشال روسي، المؤسسات الإدارية المغربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء، 1993، ص71.


[18] – وهو ما يطلق عليه في عصرنا الحالي بالتواصل والإتصال التي أصبحت تشكل تقنية أساسية في جميع الميادين امساعدة النظام السياسي على معرفة واحتواء متطلبات المواطنين وحاجياتهم الضروية والثانوية وإطلاعهم على نوايا النظام السياسي.

تعليقات